[الغضب من الأمور التي حذر منها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كثير من الأحاديث الشريفة, فيروي البخاري عن أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال للنبي: أوصني،
قال لا تغضب فردد مرارا، قال: لا تغضب.
ويروي الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى رسول الله (ص) فقال له: دلني على عمل يدخلني الجنة، قال رسول الله لا تغضب ولك الجنة.
ويعرض أبو إسلام أحمد بن علي في كتاب (40 موقفا غضب فيها النبي) مواقف عديدة غضب فيها النبي, فكيف ذلك وهو يوصي الناس بعدم الغضب؟ ويقول الكاتب أن ذكر غضب النبي في أسباب مختلفة مرجعها إلى أن ذلك كله كان في أمر الله تعالى, وأظهر الغضب في هذه المواقف ليكون أوكد في الزجر عنها والبعد عن فعلها فهو معلم البشرية وهاديها إلى الصراط المستقيم.
من هذه المواقف حينما جاء العباس بن عبد المطلب إلى النبي وقال له: يا رسول الله إن قريشا إذا لقي بعضهم بعضا لقوهم ببشر حسن، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها، قال فغضب النبي غضبا شديدا وقال والذي نفسي بيده لا يدخل قلب الرجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله.
ومنها ما ورد عن أبي هريرة حيث يقول: إن رجلا شتم أبا بكر والنبي جالس فجعل النبي يعجب ويتبسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي وقام فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله، إنه كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت، قال: إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان، ثم قال: يا أبا بكر ثلاث كلهن حق ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله إلا أعزه الله تعالى بها ونصره وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله عز وجل بها قلة .
وغضب النبي غضبا شديد حين جاءه رهط من اليهود فقالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه، فغضب النبي حتى امتقع لونه ثم ساورهم غضبا لربه، فجاءه جبريل فسكنه وقال: اخفض عليك جناحك يا محمد، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه بقوله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد* اللَّهُ الصَّمَد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) "سورةة الإخلاص".
فلما تلاها عليهم النبي قالوا صف لنا ربك كيف خلقه وكيف عضده وكيف ذراعه، فغضب النبي أشد من غضبه الأول، ثم ساورهم فأتاه جبريل فقال مثل مقالته، وأتاه بجواب ما سألوه عنه (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ). "سورة الزمر آية 67"
وعن كرمة بن عباس أن رسول الله (ص) كان يصلي فجاءه أبو جهل فنهاه أن يصلي فأنزل الله قوله تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) "سورة العلق" فقال لقد علم أني أكثر هذا الوادي ناديا فغضب النبي (ص) فتكلم بشيء قال داود ولم أحفظه فأنزل الله قوله تعالى (فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ) فقال بن عباس فوالله لو فعل لأخذته الملائكة من مكانه.
ويروي أن أسامة بن زيد شفع في المخزومية التي سرقت فغضب النبي وقال: أتشفع في حد من حدود الله، وقال ابن عمر من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في حكمه.
وغضب النبي (ص) حين رأى مع عمر بن الخطاب شيئا مكتوبا من التوراة, وقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب، ألم آت بها بيضاء نقية، لو كان موسى أخي حيا ما وسعه إلا إتباعي ولولا أن ذلك معصية ما غضب منه.